بعد تخرجي و عودي لارض المملكه بدأت مباشره بالبحث عن وظائف ارتكزت بشكل خاص على قطاع الشركات الصناعيه و البتروليه في الشرقيه. بعد مرور شهرين فقط، بدأت في الدخول في حالة فزع -غير منطقيه- لعدم ورود اي اتصال من الشركات. علما بأني تجهزت نفسيا بأن فترة انتظاري قد تصل الى ستة او تسعة شهور لكن يبدو اني لم اتجهز بشكل صحيح. الفراغ، التفكير الزائد، القلق من نفاذ المبلغ البسيط المتبقي من مكافئتي ايام الابتعاث، احساسي -الخاطئ- بأني عالة على الأهل و المجتمع “خريج امريكا و قاعد في بيته!”، وجود طموحات لن تتحقق الا بالمال، كلها اسباب جعلتني اقبل اول وظيفة (و الوظيفه الوحيده ذاك الوقت) عُرضت لي. هي في الحقيقه وظيفه كنت اعلم بتواجدها منذ العام ٢٠١٢، حيث تم ابتعاثنا من قبل المؤسسة العامه للتدريب الفني و المهني، و من اجمل مميزاتها هي اولوية توظيف المبتعثين في احد قطاعات المؤسسة العامه للتدريب الفني و المهني المتنوعه و الكثيره (كليات تقنيه، ثانويات صناعيه، معاهد السجون…الخ). لذلك اُعطينا وعد بأنه سوف يتم توظيفنا في حال رجعنا بالشهادة و التعليم المناسبين و أوفوا بهذا العهد.

حفلة تخرجي اللطيفه
نرجع للوراء قليلا، تحديدا عام ٢٠٠٨ بعد تخرجي من الثانويه. كان طموحي احدى تخصصات الحاسب لميولي لها و احساسي بأنه يمكنني تطوير نفسي في هذا المجال للأسف تم رفضي من تخصص الحاسب في جامعة الملك فيصل و الكلية التقنيه بالأحساء. و لم يتم قبولي الا في تخصص امقته و لا ارى فيه اي شغف و متعه و لم يأتي اطلاقا على بالي: ميكانيكا السيارات! قبلته على مضض كونه الخيار الوحيد، مع التخطيط لتغيير التخصص داخليا. الغريب اني رمشت بعيني….. و رأيت نفسي اتخرج من هذا التخصص بعد ثلاث سنوات! عشت فيها حياه غريبه و منفصله و شبحيه. اذكر تلك الفترة بشكل ضبابي، استيقظ صباحا، خاليا من الأمل و المشاعر و الطموح و في نمط “الزومبي”. اذهب، امارس طقوس الحشو، التعامل السطحي مع اناس اتظاهر بحبهم، و اقل قدر من التحرك بما يكفي لأنجو، ثم اخرج من الكلية نهاية اليوم و استيقظ من موت المشاعر الى حياتي الجميله خارج اسوار ورش السيارات ذات رائحة الكربون العفنه و الزيت القديم. بشكل غريب، استطعت التخرج بمعدل مرتفع لأني استغليت سهولةالمناهج و الدراسه، معدلي كان مرتفعا حتى انه فتح لي باب الابتعاث الجديد نسبيا على دماء المؤسسة العامه. و هنا وقعت امام خيارين: البقاء في المملكة و البحث عن وظيفة بشهادة الدبلوم، او تحقيق الحلم بالخروج من قيود و انغلاق هذا المجتمع و اخذ التعليم الذي طالما سمعت بجودته و تذوق الحياه بالخارج، لكن بنفس التخصص ” الشبحي”. قبلت بالابتعاث على امتداد تخصصي و حدث ما حدث في هذه الرحله المقدسه و نشرت منها قبسات في المدونه.

كنت سعيداً بذهابي لأمريكا اخيرا …
الوظيفة اللتي عرضت علي كانت بمسمى “مدرب”، و هي مسمى استحدثته المؤسسة العامه و يعني ببساطه ” مدرس”. و تم طرح الرغبات و كما كان هو متوقع فجميعها مدن صغيره و نائيه و بعيده -جدا- عن الأهل و الأصدقاء، او قريبه لكن في بيئه صعبه جدا و هي السجون. تجنبت السجون تماما و بدات بالقاء نظرة على هذه المدن الغريبه، افضلها هي من سمعت بها على الأقل في نشرة الاخبار الجويه! و اخريات استشرت خرائط جوجل لمعرفة اذا كانت هي اصلا مدن داخل المملكه! إخترتَ و قُبِلت في مدينة عرعر اللتي تبعد ١٠٠٠ كيلو عن الأحساء. خيار صعب لكن طمعا في الخبره و المال و الاسباب المذكورة بداية التدوينه، و شددت الرحال لهناك.

مطار عرعر
كما توقعت، مطار يستقبل طائرتين فقط، البلد شبه صغير، الشعب قبلي و يتكون اغلب افراد المدينه من نفس القبيله المعروفه بالسعوديه، و يفتقد للترفيه. لايوجد اختناقات مروريه، تكثر سيارات ال Pick up المقدسه كثيرا هنا. و ستقاطع الخراف طريقك احيانا عند ذهابك لماكدونلدز، المطعم العالمي الوحيد الذي تم افتتاحه قبل سنه و اُستقبل بالعرضة!
يُتبع في تدوينه قادمة…



ثقافة القهوة المختصة بدأت بالانتشار بشكل ممتاز في السعودية، و هي ثقافة تقوم على اساس بأن شيء بسيط كشرب القهوة يمكن ان يكون اكثر متعة و جمالا و “لذة” لو تم اتباع اسس معينه. و مثل كثير من أمور الحياه، فأن يمكنك الدخول لأي عالم من بابه البسيط و استخدام اساسياته فقط ، او التعمق فيه و جعلها هوايه تهتم بكثير من جوانبها. مثال: استخدام الكاميرا للتصوير الاعتيادي. او الدخول لعالم اكثر دقة باستخدام ادوات و اكسسوارات و ظروف معينه من اجل الوصول لصور رائعة. مثلها القهوة، كوب اعتيادي يمكنك تحويله الى شيء رائع باستخدام اسس و ادوات و اكسسوارات تحضير القهوة المختصة. هذه مقدمة بسيطة عن المقصد من القهوة المختصة، مع التذكير بأنها جاءت من شخص مبتدئ جدا في هذا الموضوع.

في أول سنة من ابتعاثي تمت دعوة جميع الطلاب العالميين لوجبة عشاء مقدمة من الكنيسه، على الرغم بأني اصف نفسي كشخص منفتح على اختلاف الديانات و الثقافات، الا ان ردة فعلي ذاك الوقت كانت “اظن هذا اللي يسموه التنصير او التبشير”، و هي ردة فعل ليست سلبيه بالكامل لكن هذا اول شي يتبادر لي كشخصية مسلمة سعوديه. تراجعت عن الذهاب بحجة الانشغال بالبحث عن سكن.


