الانطوائية، كلمة تغلفها السلبيه و تستخدم في النقد او القلق على الشخص، “طفلكم انطوائي، انتبهوا له!”، “هذا الشخص انطوائي، لا تتكلم معه، لديه مشاكل نفسيه!” و غيرها من العبارات المقاسة عليها. الانطوائي يعطى له صوره بانه معادي للمجتمع، صعب التعامل معه، مصاب بمشاكل نفسيه، لا يحسن التصرف مع الاخرين، ضعيف الشخصيه، لا يعتمد عليه. لكن، يبدو اننا كمجتمع و نظام تعليمي و تربوي تم ظلم هذه الفئه لفهمها الخاطئ. يبدو ان هناك الكثير، يفهمني انا … بشكل خاطئ. و فهمت نفسي انا.. بشكل خاطئ!
في احدى الورش التدريبيه اللتي حضرتها مؤخرا، طُلب من الحاضرين التجهيز لإلقاء كلمة قصيره لا تتجاوز الخمس دقائق، عن اي موضوع! كعادتي، اخذت الامور بجدية زائده و بدات بالقلق، عن الفكره و اهميتها و كيفية تقديمها ..الخ. بعد هلع قارب الساعتين، لا ادري لماذا قررت البحث عن موضوع الإنطوائيه الذي اذكر اني مررت عليه مسبقا بشكل جدا سطحي. جاء في بالي بسرعه كتاب Quite: The Power of Introverts in a World that can’t Stop Talking، بالتأكيد لا استطيع قراءة الكتاب كاملا فلجأت لملخص وجدته على الانترنت و ايضا محاضرة من TED عن نفس الموضوع من القاء الكاتبه نفسها. و بدأت بالعصف الذهني و تسجيل الملاحظات على لوحة بيضاء، انتهت بهذا الشكل
فريقي المكون من اربعة اشخاص و المدرب اصيبوا بصدمه من هذا كله، اذكر احد اعضاء الفريق عبر مبتسما “ليه ليه يا عبدالرحمن!!! يرحم والدنك خذها سهالات الوضع كاجول يارجل!”. اعتذرت لهم بإبتسامه و ذكرت بأنه عصف ذهني شخصي اكثر من كونه موجه للجمهور. عموما كانت هذه الكلمه هي شراره لتفهمي نفسي بشكل اكبر و لمصطلح الانطوائيه، , و كان تأكيد الشك باليقين و بل حتى بدأت بتقدير هذه الميزه هو بعد اخذي لاختبار الـMBTI المشهور، و بدون استغراب ظهرت شخصيتي بتصنيف ISFJ، و هي شخصيه قد تفضل العزله بشكل اكبر من الاجتماعيه المفرطه.
الإنطوائيه حسب جدل الكاتبه سوزان و يوافقها الكثير، هي بعيده كل البعد عن الحزن و الإكتئاب و السوداويه و كل ما ذكر انفا، لان هذه تعاريف الرهاب الاجتماعي. الفكرة هنا ان هناك اشخاص كثيرون (احصائية تقول ان 50% من الشعب الامريكي انطوائيين!) يفضلون العزله في اوقات اكثر من المناسبات الاجتماعيه، كبيرها و احيانا كثيره صغيرها. بهذا التعريف قد البعض يفضل مصطلح انعزاليه اكثر من انطوائيه، لكن هنا سأستخدم الترجمه الحرفيه لكلمة introvert و هي انطوائي. نحن الإنطوائيين متواجدون في كل مكان، نمارس الحياة الطبيعيه، نخرج مع الاصدقاء و لدينا وظائف رائعه! لكن الفكره، ان التواصل الاجتماعي يستهلك من طاقتنا بدل مدنا بها. في مقالة جميله، ذكرت الكاتبه ايلين هيندريكسن الفرق بين الانطوائيه و الرهاب الاجتماعي:
It’s subtle, but it’s there: social anxiety, defined as the fear of being judged. It’s self-consciousness on steroids.
Now, you may be a non-anxious introvert […]. You may love solitude and intimate gatherings but remain comfortable being seen by others. Not loving huge parties or group work is preference, not fear.
استغرب شخصيا ممن يمضي ساعات يوميا بجانب اصدقائه في الإستراحات مثلا، بعد ان قضى قرابة ثمانية ساعات في العمل محاط ايضا بالإشخاص. الا يمل؟ الا يترك مساحة من وقته في الجلوس وحيدا و ممارسة اية نشاط و هواية من دون تواجد و ازعاج الاخرين؟! هذا شي اراه في حياتي اليوميه. لدي صديق يقضي جل يومه محاط بالاصدقاء، و يكاد يصاب بالجنون لو تمر ساعه يكون فيها لوحده. بالجانب الاخر، اعز اصدقائي التقي به مرة او مرتان اسبوعيا! اكثر من هذا و نصاب بالارهاق، نحتاج لعزلتنا.
في صداقاتنا و تعاملاتنا الاجتماعيه، نحن لا نكره الجميع، نحن فقط نختار صداقاتنا و مع من نمضي الوقت و الحوار و لو كان صغيرا، بعناية اكبر! عندما ننعزل عن الاخرين، نحن لوحدنا، نحن لسنا وحيدون!