تغيير المفهوم عن الانطوائية و العزله

wp-1477580501070.jpg

الانطوائية، كلمة تغلفها السلبيه و تستخدم في النقد او القلق على الشخص، “طفلكم انطوائي، انتبهوا له!”، “هذا الشخص انطوائي، لا تتكلم معه، لديه مشاكل نفسيه!” و غيرها من العبارات المقاسة عليها. الانطوائي يعطى له صوره بانه معادي للمجتمع، صعب التعامل معه، مصاب بمشاكل نفسيه، لا يحسن التصرف مع الاخرين، ضعيف الشخصيه، لا يعتمد عليه. لكن، يبدو اننا كمجتمع و نظام تعليمي و تربوي تم ظلم هذه الفئه لفهمها الخاطئ. يبدو ان هناك الكثير، يفهمني انا … بشكل خاطئ. و فهمت نفسي انا.. بشكل خاطئ!

في احدى الورش التدريبيه اللتي حضرتها مؤخرا، طُلب من الحاضرين التجهيز لإلقاء كلمة قصيره لا تتجاوز الخمس دقائق، عن اي موضوع! كعادتي، اخذت الامور بجدية زائده و بدات بالقلق، عن الفكره و اهميتها و كيفية تقديمها ..الخ. بعد هلع قارب الساعتين، لا ادري لماذا قررت البحث عن موضوع الإنطوائيه الذي اذكر اني مررت عليه مسبقا بشكل جدا سطحي. جاء في بالي بسرعه كتاب Quite: The Power of Introverts in a World that can’t Stop Talking، بالتأكيد لا استطيع قراءة الكتاب كاملا فلجأت لملخص وجدته على الانترنت و ايضا محاضرة من TED عن نفس الموضوع من القاء الكاتبه نفسها. و بدأت بالعصف الذهني و تسجيل الملاحظات على لوحة بيضاء، انتهت بهذا الشكل

img-20161021-wa0086

فريقي المكون من اربعة اشخاص و المدرب اصيبوا بصدمه من هذا كله، اذكر احد اعضاء الفريق عبر مبتسما “ليه ليه يا عبدالرحمن!!! يرحم والدنك خذها سهالات الوضع كاجول يارجل!”. اعتذرت لهم بإبتسامه و ذكرت بأنه عصف ذهني شخصي اكثر من كونه موجه للجمهور. عموما كانت هذه الكلمه هي شراره لتفهمي نفسي بشكل اكبر و لمصطلح الانطوائيه، , و كان تأكيد الشك باليقين و بل حتى بدأت بتقدير هذه الميزه هو بعد اخذي لاختبار الـMBTI المشهور، و بدون استغراب ظهرت شخصيتي بتصنيف ISFJ، و هي شخصيه قد تفضل العزله بشكل اكبر من الاجتماعيه المفرطه.

الإنطوائيه حسب جدل الكاتبه سوزان و يوافقها الكثير، هي بعيده كل البعد عن الحزن و الإكتئاب و السوداويه و كل ما ذكر انفا، لان هذه تعاريف الرهاب الاجتماعي. الفكرة هنا ان هناك اشخاص كثيرون (احصائية تقول ان 50% من الشعب الامريكي انطوائيين!) يفضلون العزله في اوقات اكثر من المناسبات الاجتماعيه، كبيرها و احيانا كثيره صغيرها. بهذا التعريف قد البعض يفضل مصطلح انعزاليه اكثر من انطوائيه، لكن هنا سأستخدم الترجمه الحرفيه لكلمة introvert و هي انطوائي. نحن الإنطوائيين متواجدون في كل مكان، نمارس الحياة الطبيعيه، نخرج مع الاصدقاء و لدينا وظائف رائعه! لكن الفكره، ان التواصل الاجتماعي يستهلك من طاقتنا بدل مدنا بها. في مقالة جميله، ذكرت الكاتبه ايلين هيندريكسن الفرق بين الانطوائيه و الرهاب الاجتماعي:

It’s subtle, but it’s there: social anxiety, defined as the fear of being judged. It’s self-consciousness on steroids.

Now, you may be a non-anxious introvert […]. You may love solitude and intimate gatherings but remain comfortable being seen by others. Not loving huge parties or group work is preference, not fear.

استغرب شخصيا ممن يمضي ساعات يوميا بجانب اصدقائه في الإستراحات مثلا، بعد ان قضى قرابة ثمانية ساعات في العمل محاط ايضا بالإشخاص. الا يمل؟ الا يترك مساحة من وقته في الجلوس وحيدا و ممارسة اية نشاط و هواية من دون تواجد و ازعاج الاخرين؟! هذا شي اراه في حياتي اليوميه. لدي صديق يقضي جل يومه محاط بالاصدقاء، و يكاد يصاب بالجنون لو تمر ساعه يكون فيها لوحده. بالجانب الاخر، اعز اصدقائي التقي به مرة او مرتان اسبوعيا! اكثر من هذا و نصاب بالارهاق، نحتاج لعزلتنا.

في صداقاتنا و تعاملاتنا الاجتماعيه، نحن لا نكره الجميع، نحن فقط نختار صداقاتنا و مع من نمضي الوقت و الحوار و لو كان صغيرا، بعناية اكبر! عندما ننعزل عن الاخرين، نحن لوحدنا، نحن لسنا وحيدون!

17 رأيا حول “تغيير المفهوم عن الانطوائية و العزله

  1. مرحبا،،
    رائع جدًا عبدالرحمن !

    في الحقيقة، لدينا الكثير من المفاهيم الخاطئة ليست فقط الانطوائية كما تفضلت!. وعلى سبيل المثال (أشعر بالوحدة/ أنا وحيد/ شخص وحيد)؛ نطلقها عندما لا يكون هناك أحد بجوارنا -في تلك اللحظة- فقط. لكن، المعنى الصحيح للكلمة هي من لا يجد أحد بجواره على مدار السنة يتحدث معه، يأخذ برأية، يتفق معه في القيام ببعض الأنشطة.. وغيرها من الأمور.

    شكرًا جزيلًا :)!

    إعجاب

    1. رغم حبنا للوحده، الا اننا سنصاب بالجنون لو لم نشارك حياتنا مع اشخاص نحبهم و نثق بهم. لكن قد تكون مشكلتنا هو اخذنا لوقت و حذر طويلين جدا لكي نجد هذا الشخص الذي نشاركه حياتنا. قد اكون وفقت بايجاد هذا الشخص 🙂 ..

      إعجاب

  2. بالرغم من ان نتيجتي في الاختبار كانت (ENFJ-A)، انا اارى ان الانطوائية ليست امرا سيئا علي الاطلاق فحتى
    الاشخاص الاكثر اجتماعية و انفتاحا يحتاجون للبعض الانعزال و الانطوائية .. على الاقل حتى يحضوا بعض من الخصوصية فقط
    طرح جميل 🙂
    اشكرك

    إعجاب

    1. هنا الخصوصيه تختلف من شخص لاخر، بعضهم يحتاجها لسويعات، بعضهم ليوم كامل! قد اميل شخصيا ان اكون ممن يحتاجون لساعات طويله من الوحده لكي اكون في حالة راحة و تأقلم. شاكرا لك مرورك الجميل ^_^

      إعجاب

  3. رائع جدًا يا عبدالرحمن 👍
    اعتبر نفسي من الاشخاص الانعزاليين ولا استطيع ابدا ان اكون لساعات طويلة مع اشخاص كثيرين ، والصداقات تأخذ جزء من طاقتي لذلك تكون محدودة .
    وكما قلت لايعني ابدا كون الشخص انعزالي ان يكون لايحبذ الرحلات والنزهات والتجمعات مع الغير ولكن بقدر متوازن .

    إعجاب

    1. و هذه فكرة الـQuite revolution، و هي جعل المجتمع و افراده ان لا ينظرون للانطوائيين بأنهم على خطأ رغم ان كل ما يطلبوه هو -مثل ما ذكرتي- قدرا متوازنا من الاجتماعيه و الوقت الخاص 🙂 .

      إعجاب

  4. تماما ، للتو أنهيت مكالمة مع أختي تخبرني ان علي قضاء المزيد من الوقت مع ” الآخرين” وأن قضائي الوقت بمفردي أمر ” مضر” ، كل ما اخبرتها هو اني ” انطوائيه” وهذا لايضرني في اغلب الاوقات ،
    اقول في اغلب الاوقات لأنه ك أي صفة أخرى لها، مساؤها ايضا سعدت بقرءاة مدونتك .

    إعجاب

  5. معروف في مجتمعي أنني أنطوائي ، و بعد قراءة الكتاب تعايشت وفهمت نفسي أكثر !
    قد كتبت تدوينة سابقة عنها .. ، شكرا لك عبدالرحمن

    إعجاب

  6. اشكرك على هذه المقالة، في الحقيقة انا انطوائية وتأتي أوقات أود أن اقضيها مع صديقاتي لأن شعور الانغلاق و الكبت وحده يفسد لي متعة الحياة و ويجعلني مكتئبة لذلك ألجأ إلى صديقاتي للتنزه أو للتسوق حتى اطرد هذا الكبت مني وافضفض معهم فأنا لست اجتماعية لتلك الدرجة، سوا ان صداقتي محددة وبالاشهر أنقطع عنهم!

    إعجاب

    1. هي نسبه و تناسب، قابلت ناس 80% من يومهم مع اناس اخرين! ولو جاء يوم يكون فيه لوحده قد يصاب بالجنون! في الجانب الاخر مثلي انا شخصيا، 40% من ايامي هي اناس -ارغب-بالاختلاط معهم، اما بقية الايام فأني افضل الجلوس لوحدي و ممارسة نشاطاتي الشخصيه.

      إعجاب

  7. كلام جدًا جميل ودّي أطبعه وأعلقه على باب غرفتي .. الكلام اللي دايم أحاول أقوله ولا تساعدني الكلمات .. الناس اللي ما يفهمونك ولا لهم الوقت والقدره انهم يفهمونك هم الأكثر تجنبًا لك مما قد يسبب علاقات رسميه مبنيه على مسمى ‘ هذا الشخص انطوائي ‘ ما يحب يجلس مع الناس مع أن الواقع يقول العكس .. مفهوم الانطوائيه بمجتمعنا قائم على أن الشخص يعاني من مشاكل نفسية ومو طبيعي .. وكثير حالات أشوف لكن بمجرد ما تقرب للشخص وتحاول تفهم منه تتغير نظرتك له .. ” الشخص الانطوائي ليس نفسي وإنما شخص طبيعي يريد مصاحبه نفسه تمامًا كما يصاحب الناس “

    إعجاب

    1. كثير من ثقل المشكلة هو الاهتمام الكبير بنظرة الاخرين لنا، لن اقول جمل مثاليه مثل “لا تهتم لنظرة الاخرين” لأننا مخلوقات في الاول و الاخير اجتماعيه و نهتم بمظهرنا لدى الاخرين، الفكره هي فقط الاقتناع بأنك مرتاح بما انت فيه و انت سيضل مهما حاولت رأي اخر يحكم عليك بالسلبيه. الحياه جميله بكل حال و نحن فيما نعيشه رابحون 🙂 !

      إعجاب

أضف تعليق