هذه التدوينة ستنقسم الى قسمين صغيرين، الاول عن الكتاب و الثاني عن حياتي الشخصيه اللتي اتضحت بعض معالمها من بعد هذا الكتاب.
ما بعد الصحوة
من كتابة الدكتور عبدالله الغذامي. كتاب قصير في طولة عميق في محتواه. يتخدث عن ظهور الصحوة و يجادل بانها فكر ثقافي بالأصل و ليس ديني بحت. مر بتاريخ بدايتها و اوجها الذي حصره بشكل كبير في ما بين 1987 و 1997. اسباب ظهور الصحوه الذي لخصه بأنه بسبب انهدام فكر العروبة و رغبة الشباب بالحصول على فكر جديد يملئ فراغ بداخلهم و يحسسهم بالإنتماء. مرورا برموزها مثل سليمان العودة و عوض القرني، و مصادماتها مع التيارات الاخرى و خصوصا التيار الحداثي الذي ينتمي له الدكتور عبدالله الغذامي بنفسه (و كان اكثر الأمثله إثارة ما كان يحصل بين التيارين في النادي الادبي بجده). و من ثم انحسار هذه القوة بسبب تأثير الشبكات الاجتماعيه على التعدديه الفكريه في الساحه السعوديه. ببساطة هذه ابرز النقاط اللتي جادل فيها الكاتب في صفحات هذا الكتاب. قد يكون الغير لخصه بشكل افضل مني شخصيا.
أرى ان الكتاب قدم مادة غنية و مهمة جدا في شرح تفاصيل فكر و تيار غير المملكة الحديثه بشكل ضخم. و يوضح معالم نعايشها يوميا لكن قد لا نعلم كيف بدأت و من اين اتت. مثلا كيف بدأت صورة “المطوع” النمطيه (لحية طويله، بدون عقال…الخ) مرورا بقوانين سنتها الحكومة بتأثر من هذا التيار مثل -و هو موضوع سئمت من السماع عنه حقيقة- قيادة المرأه و ايضا الاحتساب (الهيئة). ارى انه من المستحسن ان يفهم افراد المجتمع عن تقسيمات مجتمعهم، و تاثير هذه التيارات و التقسيمات على نمط المعيشه و نشر ثقافة التعايش و النقد و بناء مجتمع يناسب جميع الافراد بقدر الامكان.
- العنوان: ما بعد الصحوة: تحولات الخطاب من التفرد الى التعدد.
- عدد الصفحات: 159 صفحة.
- تاريخ النشر: 2013.
- سعر الكتاب: يمكن الحصول عليه مجانا من موقع الكاتب الرسمي.
معايشتي مع هذه التيارات و التقسيمات
وقت قرائتي لهذا الكتاب، لم استطع وقف عقلي من التفكير بنفسي، عائلتي و مجتمع مدينتي اللتي اعيشها. على ان جزءا مني يحاول في السنوات الاخيره الابتعاد عن التصنيف تحت تيار او فئة معينه و الاكتفاء بأني “مسلم سُني”، الا ان جزءا اخر عميقا و مخفي في نفسي يبحث كثيرا عن تصنيف نفسه تحت تيار معين ليكون لي مسمى و جماعة انتمي لها. اتذكر وقت سماع هذه التصنيفات (سني، شيعي، صحوي، ليبرالي، حنبلي، شافعي…الخ) وقت كنت شابا في الثانوية و سنوات الجامعة الاوليه كنت اصاب بالارتباك، من انا؟ و تحت اي تصنيف اصنف؟
الكتاب كان خطوة اوليه لأكتشاف بعض الامور، حيث ان الكتاب ذكر بان الصحوة هي حراك ثقافي بدأ حوالي العام 1987، و هي فترة نسبيا حديثة. في الأحساء يوجد كلية الشريعة و الدراسات الاسلامية بالاحساء، و هو قد يكون اكبر تجمع لهذا التيار. كثير من الخريجين هنا يتجهوا لقطاع التعليم لمواد الدين بالغالب و من هنا يمكن رؤية تأثيرهم الضخم على الشباب. لا اعلم ما يحصل خلف اسوار الجامعه الذي اتخيل انه يحمل الكثير من التشارك بالأفكار لهذا التيار. اتذكر احد اصحابي الذي انخرط في الكلية تحت قسم “اللغة الانجليزية” يذكر بأنه سمع بعض التعليقات بحصوص تخصصه، حتى انهم استوقفه -كعادة الصحويين باتباع فكرة الاحتساب و النصيحه- احد المرات و قالوا له “لماذا تدرس لغة الكفار؟” … !
اتذكر بأني كنت محاطا بـ”المطاوعة” في كثير من الاماكن، خصوصا المسجد و المدرسة. لسبب ما، لم اقتنع تماما بالصورة اللتي ظهر فيها “المطاوعة” على الرغم من مساعيهم باحتوائي في رحلاتهم او جماعات التوعية الاسلامية او حلقات التحفيظ اللتي كنت ارفضها على مضض. بعد قراءة الكتاب بدات بالتفكير و بدات بعائلتي، على الرغم بأننا بالغالب عائلة تماشي الصحوة مثل اي عائلة تقليديه اخرى، الا ان جو المنزل بشكل عام لم يكن متشددا. والداي سمحا بالدش اول ظهوره بالرغم من الحملة الشرسة ضده في المنابر و المطويات. و لم يتم اجباري على المظاهر التلقيديه للصحوه. هنا الان بدات افكر في والدي، على الرغم بأنه خريج دراسات اسلاميه/لغة عربيه و اصبح معلم لهاذين الموضوعين الا انه لم يطل اللحيه و يقصر الثوب و “يتشنج” ضد الجديد. بل العكس تماما، كان يتقبل كل جديد بصدر رحب، يسافر الى دول عربيه و اسلاميه بكل اريحيه و تقبل، و يقرأ بانتظام مجلة العربي – و اللتي هي منبر للحداثيين و النخبويين- و لازال يحتفظ باعداد ضخمة منها. تواصلت معه عبر الواتساب لظروف دراستي البعيده جغرافيا و سألته عن تاريخ تخرجه من الجامعه و هل كانوا معلميه يتصفون بصفات المطاوعه و هي اسئلة لجس نبض حياته اثناء شبابه. و كانت الاجابة كما توقعتها، وقت تخرجه من الجامعه ” قرابة عام 1964 اطال الله في عمره” لم يكن هناك اي مظاهر اطلاقا للصحوه. و لذلك وقت ظهورها كان والدي قد وصل الاربعينات من عمره و يبدو انه لم يقتنع ابدا بهذا التيار “الجديد و الشبابي” بل كان كما ذكر لي بانه قد يصنف تحت تيار العروبه و هو تطابق تام مع ماذكره الغذامي في كتابه!
قد يكون هناك سبب اخر لتكوني بهذه الطريقه، و هي معيشتي في الاحساء، وهي منطقة معروفه بتعددها الفكري و المذهبي، حيث يوجد بالأحساء الطوائف الاربعه بجانب المذهب الشيعي بتعدد مراجعه. و بشكل عام، الاحساء عاشت بشكل هادئ بين فئاتها المتنوعه على الرغم من الهيمنه الصحويه كما هو الحال مع اغلب اجزاء المملكه و ايضا التواجد الكثيف للطائفة الشيعيه. و لا أنسى تأثير حياة الإبتعاث في الولايات المتحده بشكل شبه جذري على تكويني الفكري. في النهاية، سأضل حائرا لفترة طويلة لاستكشاف ذاتي، و قرائتي للكتب هي هواية تجعلني اكتشف يوما بعد يوما ضحالة علمي و كثرة جهلي. و بدل ان العن هذا الجهل، من المستحسن اني استمتع برحلة الاكتشاف و مداومة القراة عن ديني و مجتمعي.